الخميس، 28 فبراير 2013

اشهر حادثة لظاهرة التخاطر Telepathy

اذا لم تكن على علم بما هو التخاطرTelepathy ارجو منك قراءة ظاهرة التخاطر 
( هيوارد ويلار ) .. مذيع في إذاعة مدينة ( شارلوت ) الأمريكية، مذيع عادي، حاصل على قدر لا بأس به من الشهرة، لم يكن في حياته أي حوادث فائقة الإحساس من أي نوع، ولم يبد عليه يوماً أي قدرة على مهارات أو إمكانيات فوق طبيعية.

لماذا هذه المقدمة؟


لأن ما حدث له في ليلة العاشر من يونيو عام 1962 كان فوق الطبيعة بكل ما تحويه الكلمة من معنى لحادث فائق الإحساس، فوق طبيعي.

أنهى (هيوارد) يومه في دار الإذاعة بصورة طبيعية تماماً وعاد إلى منزله في منتصف الليل تقريباً، وتناول عشائه مع زوجته بنفس الروتين اليومي المعتاد، ولم يكن في الأمر أي شيء غريب .. ودخل إلى غرفته هو وزوجته مستعداً للنوم أيضاً بصورة طبيعية تماماً.


وفجأة وقبل أن يطأ فراشه، تجمد في مكانه وبدت على ملامحه أغرب آيات الهلع والذعر، لرجل تعرض لموقف مفزع أو رأى ما يخيفه، فتجمد في مكانه مفغور الفاه.

وفجأة التفت لزوجته وسألها هلعاً:


- أسمعت هذا الصوت؟


فتعجبت زوجته (بات) وقالت:


- أي صوت؟ لم أسمع شيئاً على الإطلاق.

أجاب كالمذهول:


- صوت ارتطام السيارة .. هناك حادث سير.


فازداد قلق الزوجة أكثر وقالت:


- أي حادث سير؟ لم أسمع أي صوت.

أعاد في إصرار:


- ولكني سمعته بمنتهى الوضوح.


أعادت عليه زوجته ردها السابق، ولكنه لم يلتفت إليها، بل – ولشده فزعها – أخذ يرتدي ملابسه على عجل، ويخبرها أنه سيذهب لاستطلاع الأمر .. وكادت الزوجة أن تصاب بالذهول! .. استطلاع الأمر؟ أي أمر هذا وهي لم تسمع شيء؟ وبعد منتصف الليل؟ .. لابد أن زوجها أصيب بالجنون.


وحينما غادر (هيوارد) منزله إلى سيارته أنبأه الطريق الخالي من المارة والسيارات أنه لا حوادث هنالك، حتى لو كان المكان بعيداً .. ولكن العجيب أنه لم يتلفت حتى لهذه الظواهر واستقبل سيارته وانطلق بها متبعاً إحساسه.

لم هناك دليل واحد مقنع يرشده إلى طريق محدد يسلكه، ولكنه وجد نفسه يقود السيارة وكأن حواسه وأعضاء جسده هي التي تقود السيارة إلى مكان ما، بدون أي وعي أو إدراك منه.


الطريف في الأمر أن منزله كان يقع في منطقة تقاطع طرق عديدة، وكان عليه أن يختار فيما بينها متبعاً نفس الإحساس .. وبدون تردد انطلق (هيوارد) في شارع (باركPark) وحينما وصل إلى تقاطع (وودلون Wood loon) انحرف يميناً ليهبط التل بكل ثقة وكأنه يعرف إلى أين هو ذاهب .. كان الأمر فوق طاقته، وكأن هناك من يقود خطاه.


واستمر في سيره حتى بلغ موقع مراكب صيد الجمبري، ثم سار في طريق (مونتفورد درايف) لمسافة لم تزد عن مائة متر، ثم – بمبادرة جنونية – انحرف عن الطريق الرئيسي وهو يعلم جيداً عواقب الانحدار عن الطريق الرئيسي بصفة عامة، فكيف الحال وهو بعد منتصف الليل .. ولكن ما كان يحركه في هذه اللحظة فوق طاقته وفوق إدراكه.



وعلى مرمى بصره رأى الحادث .. 


كانت هناك سيارة مرتطمة بعمود معندي ضخم بجوار شجرة في وسط الطريق الرملي، وكانت الصدمة من القوة بحيث أنها نزعت المحرك من مكانه حتى ارتطم بالزجاج الأمامي من السيارة في مقعد السائق.


ووجد نفسه مفزوعا يندفع إلى السيارة المحطمة، وقبل حتى أن يقترب منها وينظر في وجه السائق، أو حتى يراه السائق، سمعه يناديه:


- النجدة يا (هامبي) .. أنقذني يا (هامبي).


ولم يكد (هيوارد) يسمع هذا الصوت، وهذا الاسم الذي لا يناديه به إلا شخص معين، اندفع نحو الحطام هاتفاً:


- أنا هنا يا (جو) .. سأنقذك يا صديقي.


واندفع نحو الحطام ليخرج صديق عمره (جون فندربيرك) الذي كان في حالة يُرثى لها بين الحياة والموت، وكانت الدماء التي نزفها كثيرة وكانت جروحه شديدة. حمله (هيوارد) إلى السيارة ثم انطلق به إلى أقرب مستشفى، وتم إجراء عملية جراحية ناجحة تم بها إنقاذ حياة (جون) بمعجزة حقيقية، وقال الطبيب المعالج لـ (هيوارد) أنه لو كان تأخر عن إحضاره قليلاً – ربع ساعة فحسب – لكان الآن في عداد الأموات.


دعنا الآن نحلل الحادث بكافة الوسائل المنطقة واللامنطقية …


1-الطريق الذي وقع به الحادث لم يمر به مخلوق واحد منذ أن وقع الحادث وحتى مرورو 45 دقيقة من إنقاذ (هيوارد) لـ (جون).


2-(هيوارد) سمع صوت ارتطام السيارة واضحاً جداً في أذنه، على الرغم من أن التقارير أثبتت أنه لم يكن هناك أي حوادث أخرى في دائرة نصف قطرها 50 كيلو متر من منزل (هيوارد).


3-(هيوارد) سمع صوت ارتطام السيارة في نفس اللحظة التي ارتطمت فيها سيارة (جون) بالعمود تماماً على الرغم من العشرة كيلو مترات .. هذا بافتراض أن (هيوارد) سمعه فائق.


4-لو تأخر (هيوارد) على (جون) ربع ساعة فقط لكان (جون) الآن ميتاً (بإذن الله بالطبع).


5-حينما سُئل (جون) عمن كان يفكر فيه ساعة وقوع الحادث، فأخبر أنه كان يفكر في صديق طفولته (هامبي) وهو الاسم المفضل لدى (جون) ينادي به صديقه (هيوارد).
وهناك تجربة اخرى واقعية وهى سارية الجبل يمكنك القراءة عنها اضغط على الكلمة للدخول للموضوع


تفسير العلماء لهذا الحادث:


يقول العلماء إن ما حدث بين (هيوارد) و(جون) هو نوع شديد التطور من التخاطر العقلي أو التليباثي Telepathy نقل فيه (جون) رسالة استغاثة إلى صديق طفولته (هامبي)، ليخبره بأنه تعرض لحادث شنيع، وأنه في حاجة إلى مساعدته.


ويقول العلماء أيضاً أن ظروف ارسال واستقبال الرسالة كانت مثالية للغاية .. إذ أن أفضل وقت لإرسال رسالة عقلية هو عند إفراز الجسم مادة الأدرينالين، وهي مادة يتم إفرازها عند الخطر .. وكان جون يتعرض للخطر، فأرسل الرسالة العقلية وهو في حالة من حالات إفراز الأدرينالين.


أما بالنسبة للمستقبل فإن المادة المسئولة عن استقبال الرسالة في مثل هذه الحالة تسمى (الكولين استراز) وهي مادة تُفرز عند الاسترخاء، وكان (هيوارد) في هذه اللحظة يهم بالنوم، لذلك جسمه كان في حالة استرخاء، ولذلك كان مهيئاً لاستقبال رسالة (جون).


بالطبع كل هذه دراسات غير مؤكدة تتحدث عن التخاطر، وهو تفسير مريح لما حدث يومها، ولكن الأمر سيظل محفوظ في سجلات الحوادث فائقة الغرابة لأحدث حادثة تخاطر في تاريخ البشر.
واذا عجبك الامر عن التخاطر فيمكنك التدرب على التخاطر من خلال قراءة هذا الموضوع

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

هاروت وماروت وتعليم السحر

عندما قررت ان ابحث عن القصة الحقيقة لهاروت وماروت  وجدت العديد من القصص عنهما
ومنها هذه الرواية :-

(لما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض قالت الملائكة:
أي ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
قال:
إني أعلم ما لا تعلمون
قالوا:
ربنا نحن أطوع لك من بني آدم
قال الله تعالى للملائكة:
هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فتنظروا كيف يعملان
قالوا:
ربنا هاروت وماروت..وفي رواية (أعزراو) أو (عزا) وهو (هاروت) و(عزبيا) وهو (ماروت)..
-وإنما غيرت أسماؤهما إلى هاروت وماروت بعدما اقترفاه من الإثم..تماما كإبليس اللعين وكان اسمه (عزازيل) قبل أن يعصى الله-..
فأهبطا إلى الأرض..
ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر..
فجاءتهما فسألاها نفسها قالت:
لا ..حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك
فقالا:
لا والله لا نشرك بالله شيئا أبدا
فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله
فسألاها نفسها فقالت:
لا..حتى تقتلا هذا الصبي
فقالا:
لا والله لا نقتله أبدا
فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله
فسألاها نفسها فقالت:
لا..حتى تشربا هذا الخمر
فشربا حتى سكرا..
فوقعا عليها وقتلا الصبي..
فلما أفاقا قالت المرأة:
والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه إلا فعلتماه حين سكرتما
فلما أن أفاقا جاءهما جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل وهما يبكيان فبكى معهما..
وقال لهما:
ما هذه البلية التي أجحف بكما بلاؤها وشقاؤها؟
فبكيا فقال لهما:
إن ربكما يخيركما بين عذاب الدنيا..وأن تكونا عنده في الآخرة في مشيئته..
إن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما وإن شئتما عذاب الآخرة..
فعلما أن الدنيا منقطعة وأن الآخرة دائمة وأن الله بعباده رءوف رحيم..
فاختارا عذاب الدنيا وأن يكونا في المشيئة عند الله>>
فهما ببابل فارس معلقين بين جبلين في غار تحت الأرض يعذبان كل يوم طرفي النهار إلى الصيحة..
ولما رأت ذلك الملائكة خفقت بأجنحتها في البيت ثم قالوا:
اللهم اغفر لولد آدم..
عجبا كيف يعبدون الله ويطيعونه على ما لهم من الشهوات واللذات
فاستغفرت الملائكة بعد ذلك لولد آدم..
فذلك قوله سبحانه (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) الشورى(5)
  والان دعونا نبحث عن القصة الحقيقية لهذين الملكين..
وللحق فقد بحثت طويلا في كتب التفاسير ومواقع الإنترنت..
ووجدت العديد من الروايات المختلفة التي تروي قصة الملكين..
منها ما يتوافق مع العقل والمنطق والنص القرآني الذي لا يشوبه التحريف..
ومنها ما يشتط..
وها أنا أعرض عليكم في السطور التالية نتائج بحثي هذا..
سأتناول هنا كل الروايات التي قيلت في هذه القصة..
وسأعرض عليكم أقوال المؤيدين والمعارضين..
وكالعادة سأترك الحكم لكم في النهاية..
وها هو ما وجدت..

...................................................................................
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
.................................................................................................
سبب نزول هذه الآية:
يقول ابن كثير في تفسيره:
(وسبب ذكر قصة (هاروت وماروت) في القرآن الكريم أن يهود المدينة كانوا لا يسألون النبي محمدا صلى الله عليه وسلم عن شيء من التوراة إلا أجابهم عنه..فسألوه عن السحر فأنزل الله تعالى هذه الآية ..
وقال بعض السلف أنه لما ذكر نبي الله سليمان عليه السلام في القرآن قالت يهود المدينة :
ألا تعجبون لـ(محمد) يزعم أن ابن (داوود) كان نبيا ؟! والله ما كان إلا ساحرا يركب الريح ..
فأنزل الله هذه الآية ليكذب أقوالهم وليبرأ نبيه الكريم سليمان بن داوود عليهما السلام مما ينسبونه إليه..)
................................................................................................
لوح بابلي
بدون كثير إطناب لا طائل من ورائه فقد وجدت روايات متعددة
وبدون تدخل مني سأعرضها عليكم تاركا الحكم لكم..وإحدى الروايات مفادها ما يلي:
يقول ابن كثير في تفسيره:
(أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
( إن آدم لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة :
أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
قال:
إني أعلم ما لا تعلمون
قالوا :
ربنا نحن أطوع لك من بني آدم
قال الله لملائكته :
هلموا ملكين من الملائكة فننظر كيف يعملان
قالوا :
ربنا هاروت وماروت
فركب الله فيهما الشهوة ثم أهبطا إلى الأرض
قال :
فمثلت لهم الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءاها فسألاها نفسها فقالت :
لا..حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك..
وفي رواية (حتى تعبدا ما أعبد وتصليا له)-وكانت تعبد صنما من دون الله-
قالا :
والله لا نشرك بالله أبدا
فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت :
لا..حتى تقتلا هذا الصبي
فقالا :
لا والله لا نقتله أبدا
فذهبت ثم رجعت بقدح من خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت :
لا..إلا أن تفعلا ما طلبته منكما
فقالا:
الصلاة لغير الله أمر عظيم..وقتل النفس أمر عظيم..فلا سبيل إلى ما أمرتنا به فإن الله قد نهانا عن كل ذلك
فقالت:
إذن فلتشربا الخمر
قالا:
أهون الثلاثة شرب الخمر
فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي وسجدا للصنم..
فلما أفاقا قالت المرأة :
والله ما تركتما من شيء أثيم إلا فعلتماه حين سكرتما
فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لأنها زائلة والآخرة باقية..
وهما موجدان بوادي بابل معلقان من أرجلهما يعذبان طرفي النهار..
أشتهر البابليون بممارسة السحر .. خصوصا في مجال التنجيم والأبراج والفلك
وفي رواية:
فعوقبا بسبب ذلك بأن حبسا في بئر ببابل منكسين وابتليا بالنطق بعلم السحر فصار يقصدهما من يطلب ذلك فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه فإذا أصر تكلما بذلك ليتعلم منهما السحر فيتعلم منهما ما قص الله عنهما والله أعلم..
فكانا يعلمان السحر في بابل وكانا يقولان لمن جاءهما (إنما نحن فتنة فلا تكفر) فإن أبى أن يرجع قالا له:
ائت هذا الرماد فبل فيه
فإذا بال فيه خرج منه نور يسطع إلى السماء وهو الإيمان ثم يخرج من الرماد دخان أسود يدخل في أذنه وهو الكفر..)
ويروى أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها فقالت:
زوجي انصرف عني وزهد في وخلاني وحيدة وذهب ليتزوج بأخرى.. فجئت جارتي العجوز أشكو لها حالي.. فقالت لي:
إن تفعلي ما آمرك به فسوف يأتيك محبا عاشقا..
فوافقت بلا تردد..فذهبت ثم جاءت بالليل ومعها كلبان أسودان ضخمان فركبت واحدا وأمرتني بركوب الآخر..
ثم انطلقنا في غياهب الظلمات لا أدري أين نحن..وإذا بوادي فيه رجلين معلقين من قدميهما..
فقالت لي رفيقتي :
تقدمي وإن سألاك مرادك فقولي جئت أتعلم السحر..وإن نازعاك فأثبتي
فتقدمت وقال لي أحدهما:
لم جئت؟
قلت:
لأتعلم السحر
فقال لي:
اذهبي إنما نحن فتنة..فارجعي ولا تكفري
فقلت:
لا إني أريد أن أتعلم السحر
فقال:
فاذهبي خلف ذلك التنور فبولي على الرماد هناك..
فذهبت..ولما وصلت هناك خفت ورجعت فقالا لي:
ماذا رأيت؟
قلت:
لم أر شيئا
فقالا لي:
كذبت فارجعي ولا تكوني من الكافرين
فتذكرت هجران زوجي..فتشجعت وقلت:
لا إني أريد أن أتعلم السحر
فقالا لي:
فاذهبي وبولي هناك
فذهبت وبلت..فلما رجعت قالا لي:
أفعلت؟
فقلت:
نعم
قالا:
فماذا رأيت؟
قلت:
رأيت فارسا منيرا يخرج منى حتى وصل الى عنان السماء ثم اختفى ولم أراه
فقالا لي:
صدقت..فهذا هو إيمانك قد خرج منك (
وفي رواية:
(وإذا برجل مر بهما فلما رآهما فزع منهما فقال:
لا اله إلا الله
فقالا:
لا اله إلا الله..من أي أمة الرجل؟
قال:
رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فقالا:
أبعث محمدا؟؟
قال:
نعم
فاستبشرا وفرحا فقال لهما:
لم فرحتما؟
فقالا:
لأنه قد بعث نبي الساعة وسوف يزول عنا العذاب)
....................................................................................................
هذا ما تبقى من باب .. فهل لازال الملكين يتعذبان بين اطلال هذه الخرائب ؟!
وهاكم رواية أخرى وجدتها مذكورة نصا في تفسير الطبري:
(إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن (إدريس) -عليه السلام-عيروهم بذلك وأنكروا عليهم وقالوا لله:
إن هؤلاء -الذين جعلتهم خلفاء في الأرض واخترتهم- يعصونك.
فقال تعالى:
لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم مثل ما يفعلون
قالوا:
سبحانك ربنا ما كان ينبغي أن نعصيك.
قال الله تبارك وتعالى:
اختاروا ملكين من خياركم أُهبطهما إلى الأرض.
فاختاروا هاروت وماروت..وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم..
فركب الله فيهم الشهوة التي ركبها في بني آدم وأَهبطهم إلى الأرض..
وأمرهم أن يحكموا بين الناس بالحق..ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر..
فثبتا على ذلك يقضيان بين الناس يومهما..
فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء..
فما مر عليهما شهر حتى افتتنا..
وذلك أنه اختصمت إليهما ذات يوم امرأة تسمى (الزهرة) وكانت من أجمل النساء وكانت ملكة في قومها بفارس.. فلما رأياها أخذت بقلبيهما فراوداها عن نفسها فأبت- وقالت مثل ما قالت في الرواية الأولى إلى أن عرضت عليهما الخمر- فرفضا ثم قالت:
لا تدركاني حتى تعلماني الذي تصعدان به للسماء..
فقالا:
نصعد باسم الله الأعظم
فقالت:
فما أنتما بمدركي حتى تعلمانيه
فقال أحدهما لصاحبه:
علِّمها
فقال:
إني أخاف الله
فقال الآخر:
فأين رحمة الله؟
فعلماها ذلك فتكلمت به..فصعدت للسماء..
فمسخها الله كوكبا..
فهو كوكب (الزهرة)..
وخير الملكين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا.)
.....................................................................................................
يقول المعارضون لتلك الروايتين:

1- لايمكن أن يوجد من الملائكة من يعصى الله ويشرب الخمر ويقتل ويرتكب الفاحشة بل ويعلم الناس السحر..فالملائكة قال فيهم الله سبحانه وتعالى:
(لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم (6)
وأن الله قد أمرهما بتعليم الناس السحر اتقاء لشره وليس لاستخدامه فيما يغضب الله كمن يتعلم دراسة السموم اتقاء لشرها
في حين يقول المؤيدون لتلك الرواية:
1- هاروت وماروت نزلا ليظهرا للناس الفرق بين السحر المطلوب تجنبه وبين المعجزة التي هي دليل نبوة الأنبياء عليهم السلام فكانا يعلمان تعليم إنذار لا تعليم تشجيع له كأن يقولا: لا تفعل كذا كما لو سأل سائل عن صفة الزنا أو القتل فأُخبر بصفته ليجتنبه أو يقولا: فلا تكفر أي فلا تتعلم السحر معتقدا أنه حق فتكفر
2- إن عصيانهما لله لا ينفي كونهما ملكين من الملائكة من عدة وجوه أهمها:
أ- نص آية سورة التحريم من بدايتها:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
وهذا معناه أن الملائكة المذكورين في هذه الآية هم الملائكة الموكلين بالنار (أي الزبانية) وليس عموم الملائكة..
ب- أن هذين الملكين سبق في علم الله لهما هذا فيكون تخصيصا لهما فلا تعارض حينئذ..
مثلما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق..مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله
ج-يقول ابن حجر الهيتمي في (الزواجر):
(إن عصمة الملائكة دائمة ما داموا بوصف الملائكة أما إذا انتقلوا إلى وصف الإنسان فلا)
3- كون ابن كثير يقول إنه حديث غريب فهذا ليس معناه أنه ضعيف حيث أنه استطرد قائلا:
(ورجاله كلهم ثقات)..
ثم إن راوي الحديث الأساسي هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
..................................................................................................
السبي البابلي لليهود .. الكثير من الاسرائيليات مصدرها الاساطير البابلية
انتهت أولى الروايات على اختلاف ألفاظها ولكن اتفاقها ضمنيا..
والآن مع ثانية الروايات:
وجدت في تفسير الطبري أن ابن جرير ذهب إلى أبعد من ذلك حيث زعم أنهما ليسا (ملكين) بفتح اللام بل (ملكين) -بكسر اللام-من ملوك بابل من البشر وأن الله قد امتحنهما بذلك..
يقول الطبري في تفسيره (جامع البيان في تفسير القرآن) :
( يعنـي بقوله: { واتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ } الفريق من أحبـار الـيهود وعلـمائها الذين وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم نبذوا كتابه الذي أنزله علـى موسى عليه السلام وراء ظهورهم تـجاهلا منهم وكفرا بـما هم به عالـمون كأنهم لا يعلـمون..فأخبر عنهم أنهم رفضوا كتابه الذي يعلـمون أنه منزل من عنده علـى نبـيه عليه السلام ونقضوا عهده الذي أخذه علـيهم فـي العمل بـما فـيه وآثروا السحر الذي تلته الشياطين على ملك سلـيـمان بن داود فـاتبعوه وذلك هو الـخسران والضلال الـمبـين)..
فتأويل الآية على هذا { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } من السحر وما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون قوله: ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه المقدم
فإن قال لنا قائل:
كيف وجه تقديم ذلك؟
قيل:
وجه تقديمه أن يقال:
{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } من السحر وما كفر سليمان وما أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون معنيا بالملكين جبريل وميكائيل عليهما السلام لأن سحرة اليهود فيما ذكرت كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فأكذبهم الله بذلك وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر وبرأ سليمان عليه السلام مما نحلوه من السحر وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل وأن الذين يعلمانهم ذلك رجلان: اسم أحدهما هاروت واسم الآخر ماروت فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس..
وبهذا فقد وجب طبقا للآية أن تكون الشياطين هي التـي تعلـم هاروت وماروت السحر وتكون السحرة إنـما تعلـمت السحر من هاروت وماروت عن تعلـيـم الشياطين إياهما..
فالقرآن أنكر نزول أي ملك إلى الأرض ليعلم الناس شيئا من عند الله غير الوحي إلى الأنبِياء..
ونص بذلك نصوصا صرِيحة مفادها أن الله لم يرسل إلا الإنس لتعليم بني نوعهم فقال:
(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء:7]
وقال منكرا طلب إنزال الملك:
(وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام:8]
وقال في سورة الفرقان:
(وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا)
إلى قوله:
(فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)[الآيات:7-9]
وقد قرأ ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والزهري الملكين بكسر اللام)
...........................................................................................
الآثار البابلية لم تذكر أي شيء عن الملكين هاروت وماروت
انتهى كلام الطبري..وهو ببساطة يريد أن يقول:
1- السحر لم ينزل على الملكين (جبريل وميكائيل) ولم ينزل على الملكين (داود وسليمان). .
2- أصل السحر من الشياطين
3- أول مكان انتشر فيه السحر هو بابل (وهذا يتوافق مع الدراسات التاريخية)
4- هاروت وماروت رجلان من الملوك كانا مقيمين ببابل تعلما السحر من الشياطين وعلماه الناس بعد ذلك.. وكانا يحذران الذين يتعلمون السحر على أيديهما أنه عمل يؤثر على عقيدة ممارسه لأنه يؤدي إلى الكفر..
يقول المعارضون:
1-التاريخ لم يذكر أبدا وجود ملكين بهذين الاسمين قد حكما بابل في أي عصر من العصور وهذا يتنافى مع كونهما بشرا ولا ريب أنهما لو كانا بشرا لطبقت شهرتهما الآفاق كونهما أول من علم الناس السحر ولذكرهما التاريخ..
2-يفترض أن يتمثل الملكان في صورة بشرية وذلك لقوله تعالى في الآية (9) من سورة الأنعام:
(ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون)
وقد صح في السنة أن جبريل عليه السلام كان يأتي أحيانا في صورة دحية الكلبي
وهنا نجد الفيلسوف الشهير ابن حزم الأندلسي قد ذهب لأبعد من ذلك حيث زعم أن هاروت وماروت من ملوك الجن وليس البشر..من قوله (ما تتلوا الشياطين)..ومعلوم أن هناك شياطين من الإنس وشياطين من الجن..
وذلك ردا على المعارضين لذلك التفسير..
.......................................................................................
والآن دعوني أعرض عليكم الرواية التي أرى أنها أدق الروايات بلا جدال..
فأعيروني أسماعكم دام فضلكم..
........................................................................................
قال ابن كثير والطبري وغير واحد من المفسرين:
(عن شهر بن حوشب قال : لما سلب سليمان عليه السلام ملكه* كانت الشياطين تصعد إلى الفضاء فتصل إلى الغمام والسحاب حيث يسترقون السمع من كلام الملائكة الذين يتحدثون ببعض ما سيكون بإذن الله في الأرض من موت أو أمر أو مصائب فيأتون الكهنة الكفار الذين يزعمون بأنهم يعلمون الغيب ويخبرونهم بما سمعوا..
فتحدث الكهنة الناس به فيجدونه كما قالوا..
فلما ركنت إليهم الكهنة أدخلوا الكذب على أخبارهم فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة..
وكانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان فيكتبوا مثلا:
(من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا..)
فلما ينتهوا يجعلوا عنوانه:
هذا ما كتب آصف بن برخيا عن الملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم
وفشا في بني إسرائيل أن الجن والشياطين يعلمون الغيب والعياذ بالله..
فلما استعاد سليمان ما وهبه الله بعث جنوده وجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه..
ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يقترب من الكرسي وإلا احترق..
وقال سليمان عليه السلام:
لا أسمعن أحدا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه
وكانت الشياطين مغتاظة من سليمان لأن الله أعطاه سر التحكم فيهم..فكانوا يطيعونه مع كفرهم حيث كانوا يخدمونه يعملون له أعمالا شاقة كما بين القرآن..
ولما مات سليمان وقل عدد العلماء الذين عرفوا ماذا فعل سليمان بكتب السحر وأنه دفنها تحت كرسيه ومضى جيل وأتى غيره تمثل إبليس في صورة إنسان ثم أتى جماعة من بني إسرائيل فقال لهم:
هل أدلكم على كنز لا ينفد بالأخذ منه؟
قالوا:
نعم
قال:
إن سليمان لم يكن نبيا إنما كان ساحرا فاحفروا تحت كرسيه
فاعترض المسلمون وغضبوا وقالوا:
بل كان سليمان نبيا مسلما مؤمنا
وعاود إبليس الكرة مرارا حتى صدقه بعضهم من ضعاف النفوس وذهب معهم وأراهم المكان ووقف غير بعيد لا يستطيع الاقتراب وإلا احترق.. فقالوا له:
اقترب يا هذا
فقال:
لا ولكنني ها هنا بين أيديكم فإن لم تجدوا الصندوق فاقتلوني
فحفروا فوجدوا الصندوق وأخرجوا تلك الكتب..فلما أخرجوها قال إبليس اللعين:
ما تم لسليمان ملكه إلا بهذا السحر وبه سخر الجن والإنس والطير والريح
فقال الكفار:
لقد كان سليمان ساحرا..هذا سحره به كان يأمرنا وبه يقهرنا
ثم طار إبليس وفشا بين الناس أن سليمان كان ساحرا والعياذ بالله وكذلك صاحبه وكاتبه آصف بن برخيا الذي جلب له عرش بلقيس بكرامة أكرمه الله بها (الذي عنده علم من الكتاب)-وسيكون لي مقال مع هذه القصة بإذن الله-
وأخذ كفار بني إسرائيل يعملون بما في تلك الكتب..
والحق أن السحر ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء وما كفر سليمان لأنه نبي من عند الله منزه عن الكبائر وصغائر الخسة وعن كل القبائح والرذائل فضلا عن أنه منزه عن الكفر..
فلما كثر السحرة الذين تتلمذوا على أيدي الشياطين وادعوا النبوة وعلم الغيب وتحدوا الناس بالسحر أنزل الله ملكين من ملائكته الكرام وهما هاروت وماروت ليعلما الناس ما هو السحر فيتمكنوا من تمييز السحر من المعجزة التي هي دليل نبوة الأنبياء عليهم السلام..
ويتبين كذب السحرة في دعواهم النبوة ولكي لا يلتبس على بعض الناس حالهم فإن السحر يعارض بسحر أقوى منه -فقد يبطل السحر ساحر آخر-..
وفيه التمويه والتخييل على الناس وخدع وشعوذات..
ومن جهة أخرى هو نوع من خدمة الشياطين للسحرة لأن الشياطين أجسام خفيه لا يراها الناس ويكون السحر أحيانا بوضع تركيبة من مواد معينة تجمع وتحرق ويتخذ منها رماد وحبر ويقرأ عليها كلمات وأسماء ثم تستعمل في ما يحتاج إليه من السحر..
وأما المعجزة فهي أمر خارق للعادة لا يعارض بالمثل يظهر على يد النبي وقد يكون مقرونا بالتحدي..
فكانا يعلمان تعليم إنذار لا تعليم تشجيع له كأن يقولا:
لا تفعل كذا-كما لو سأل سائل عن صفة الزنا أو القتل فأُخبر بصفته ليجتنبه-
لذلك كانا يستدركان قائلين:
فلا تكفر
أي فلا تتعلم السحر معتقدا أنه حق يجلب الخير أو يدفع الضرر فتكفر
كما كانا يعلمان الناس كيفية اتقاء شرور السحر إن سحروا..
وكانا لا يعلمان أحدا حتى ينصحاه بأنهما جعلا ابتلاء واختبارا قائلين:
إنما نحن ابتلاء من الله وفتنة فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر ومن تعلم وتوقى عمله ثبت على الإيمان..
وبين الله في القرآن أن الملكين أقصى ما يعلمانه هو كيف يتم التفريق بين الرجل وزوجته..وأن ضرر ذلك لا يكون إلا بمشيئة الله لأن الله تعالى هو الذي يخلق النفع والضرر..
ثم أثبت تعالى أن من يتعلم السحر ويرتكبه فهو ضرر عليه ويعود عليه بالوبال.
وهاروت وماروت ملكان كريمان من ملائكة الله الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..
فلا صحة أبدا للقصة التي تقول إن هاروت وماروت ملكان التقيا بامرأة جميلة ففعلا معها الفاحشة فهذا الكلام كفر بين وفيه تكذيب للقرآن الكريم.
فليحذر الناس من مثل هذه القصص المكذوبة والمفتراة على دين الله وأنبيائه وملائكته..
والخلاصة: أن الله تعالى إنما أنزلهما ليحصل بسبب إرشادهما الفرق بين الحق الذي جاء به سليمان وأتم له الله به ملكه وبين الباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر ليفرق الناس بين المعجزة والسحر..
وكل ما عدا ظاهر القرآن في حال هذين الملكين فهو من الأكاذيب يردها ما ثبت من عصمة الملائكة على وجه العموم دون ورود استثناء لهذا لأصل العام كما قال تعالى:
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/26-28 .
وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى..
وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال)
.........................................................................................
انتهى كلام ابن كثير..
وإن كان لي أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع فسأقول:
يبدو أن بابل قد بلغت مبلغا عظيما في علوم السحر وهذا مؤشر على انحراف مسار الحضارة البابلية..
وقد تجلت رحمة الله تعالى بإنزال ملكين لمواجهة ذلك الشر المستطير..وتمثل الملكان في صورة بشرية كما أسلفت بالدليل..
وواضح من النص الكريم أن مهمة الملكين تمثلت في تعليم الناس أمورا تتعلق بالسحر الذي استفحل شره في بابل..
وبما أنهما ملكان وبما أن ما يعلمانه منزل عليهما فلا بد إذن أن يكون أمرا إيجابيا..
والأقرب للمنطق أن يكون هذا العلم يتعلق بمضادات السحر من أجل إبطاله..
وبذلك لا نحتاج إلى لي عنق النص لأن هذا هو ظاهر النص واللائق بمقام الملائكة وما ينزل عليهم...
وهنا قد يقول قائل:
كان يمكن أن ينزل هذا العلم المتعلق بإبطال السحر على نبي من الأنبياء فلماذا أنزل على ملكين متجسدين في الصورة البشرية ؟
والجواب على ذلك يتلخص في كون الأمر لا يناسب مقام النبوة والرسالة لأن الكفار قد درجوا على اتهام الأنبياء والرسل بممارسة السحر بل لقد خلط أهل الكفر بين المعجزة والسحر..
من هنا وحتى لا تكون الشبهة وحتى لا يتم الخلط تم تجنيب الرسل الخوض في مضادات السحر -التي تحتم الخوض في السحر-..
وواضح من النص الكريم أن الملكين يخلصان النصيحة لكل من تعلم مضادات السحر ويظهر ذلك جليا في استخدام (ما ومن) في قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد)..
وهذا الحرص منهما يدل على خطورة الأمر وحساسيته..وتظهر هذه الخطورة في إمكانية انحراف المتعلم وانخراطه في أمور السحر لذا كانت النصيحة المشددة: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) قبل البدء في التعليم..
وهنا قد يتساءل أحدكم:
من أين تأتي الخطورة وإمكانية الانحراف وهما يعلمان الناس مضادات السحر وكيفية الوقاية منه؟!
وأجيب قائلا إن تعليم المضادات للسحر يقتضي التعريف بحقيقة السحر أولا ثم تعليم أنواع المضادات لهذا السحر..ومن هنا يصبح المتعلم ملما بأساليب السحر وأنواعه كما هو الأمر في الصيدلي أو الطبيب الذي يتعلم أنواع السموم ومضاداتها.
من هنا لابد من التذكير الدائم والوصية المتكررة -لأن المتعلم أصبح قادرا على ممارسة السحر بعد تعلمه لمضاداته -ومثل هذه الإمكانيات تغري النفوس غير القوية بالانحراف وممارسة السحر والكفر..
وبعد أن تؤدى النصيحة ويتم التحذير المشدد يتم تعليم ألوان من السحر وعلى وجه الخصوص الكيفية التي يتم بها التفريق بين المرء وزوجه..
أما لماذا كان التركيز على أمر التفريق بين المرء وزوجه فلا شك أن ذلك من أشر الشرور فقد صح في الحديث الشريف أن إبليس يقرب من أتباعه من يستطيع أن يوسوس للزوجين بما يفضي إلى طلاقهما..
كما أن التفريق بين الأزواج هو من أهم مقاصد السحر والسحرة فحيث تكون المودة والرحمة والسكينة يكون الخير..وما السحر إلا محض شر..
وأتوقف عند قوله تعالى:
(وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)
وهذه حقيقة ينبغي أن تكون ماثلة دائما في ضمير المؤمن فلا يكون في هذا الكون شيء إلا بإذنه تعالى..فليكن التوجه أولا وأخيرا إلى الله تعالى..
وأيضا:
(ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم)
وهذا يدل على أن السحر لا علاقة له بالنفع بل كله يتعلق بالمضرة ويخلو من المنفعة..
من هنا كانت ممارسة السحر من أكبر الكبائر..ولو كان في السحر بعض الجوانب النافعة لأمكن عقلا أن يأذن الشرع بممارسة هذه الجوانب..أما تعلم مضادات السحر فلا تتعلق بالمنفعة وإنما بدفع المضرة..من هنا كانت وصية الملكين مشددة لكي لا ينزلق المتعلم في متاهات السحر ولكي يسخر علمه في دفع الضرر.
وقد يتوهم البعض أن المقصود بقوله تعالى:
(ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم)
أنهم كانوا يتعلمون ما يضر فقط وهذا الفهم خاطئ لعدة أمور منها:
أولا: لم يثبت أن للسحر جوانب نافعة..
ثانياً: لا يعقل أن يتعلموا ما يضرهم فقط ويتركوا تعلم ما ينفعهم لأن ميل الإنسان إلى جلب المنفعة لنفسه أقوى من ميله إلى إلحاق الضرر بغيره..
فقد قال تعالى (يضرهم) ولم يقل (يضر غيرهم) والعقل يقول إن الإنسان لا يتعلم كيف يضر نفسه ويهمل ما ينفعها..
هذا والله أعلى وأعلم...
.......................................................................................................

*هوامش:
.................

قصة ابتلاء الله لنبيه سليمان عليه السلام: (تفسير ابن كثير)
قال تعالى:
}وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىَ كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمّ أَنَابَ * قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاّ يَنبَغِي لأحَدٍ مّن بَعْدِيَ إِنّكَ أَنتَ الْوَهّابُ }ص (34و35)
وحقيقة هذه الفتنة ما ذكره الفخر الرازي..قال:
(إن سليمان ابتلي بمرض شديد حار فيه أطباء الإنس والجن.. وأحضرت له الطيور أعشابا طبية من أطراف الأرض فلم يشف وكل يوم كان المرض يزيد عليه حتى أصبح سليمان إذا جلس على كرسيه كأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من كثرة الإعياء والمرض..واستمر هذا المرض فترة أربعين يوما كان سليمان فيها لا يتوقف عن ذكر الله وطلب الشفاء منه واستغفاره وحبه..وانتهى امتحان الله تعالى لعبده سليمان وشفي سليمان..وعادت إليه صحته بعد أن عرف أن كل مجده وكل ملكه وكل عظمته لا تستطيع أن تحمل إليه الشفاء إلا إذا أراد الله سبحانه..
وهي الفترة التي تمكنت فيها الشياطين من كتابة كتب السحر ونشره بين الناس..
هذا هو الرأي الذي نرتاح إليه ونراه لائقا بعصمة نبي حكيم وكريم كسليمان..
وما عدا ذلك فهو من الأكاذيب والافتراءات المقطوعة السند..
والله تعالى أعلى وأعلم

المصادر:
..............

1- الموسوعة الحرة (ويكيبديا)
2- تفسير ابن كثير
3- تفسير الطبري
4- بعض مواقع الإنترنت مثل:
http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1603&idto=1603&bk_no=49&ID=1643

http://islamqa.info/ar/ref/128543

http://www.as7apcool.com/vb/showthread.php?t=423165

http://alhabibmohmed.hooxs.com/t551-topic

http://www.alokab.com/forums/lofiversion/index.php/t20613.html

http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=45364

الخميس، 7 فبراير 2013

انقراض انسان النياندرتال

الحياة في العصر الحجري لم تكن رائعة .. أقول هذا لأولئك الذين ما فتئوا يذكرونا بأيام زمان ويصدعون رؤوسنا ببساطة ودعة وروعة الماضي الغابر .. كلا عزيزي القارئ .. لم تكن جميلة البتة .. كانت عبارة عن مطاردة محمومة ومستمرة تتخللها فترات قصيرة من الراحة.. كان محتوما عليك أن تركض على الدوام .. أركض .. أركض .. فأمامك طريدة .. أو وراءك أنياب مفترسة تسعى لازدرادك. وفي اللحظات القليلة التي تتوقف فيها عن الركض يكون لزاما عليك أن تختبئ في عمق كهف موحش .. وبارد .. ومظلم .. حيث عليك أن تأكل وتنام وتتبرز وتجامع شريك حياتك في نفس البقعة الصغيرة أمام عيون عائلتك المجتمعة حول ذلك الموقد البائس اللعين .. يا لها من حياة ! .. وستكون محظوظا جدا لو نجوت بحياتك حتى تبلغ الثلاثين من عمرك .. فالحياة كانت قصيرة .. وأعداد البشر قليلة .. حمدا لله بأننا لم نخلق في تلك العصور المظلمة التي أروم زيارتها لبرهة قصيرة من خلال هذا المقال .. فما رأيك أن تأتي معي عزيزي القارئ ؟ .. لا تخف .. لن نبقى طويلا.
صورة تخيلية  لنياندرتال
التاريخ البشري يغص بالأحاجي والألغاز، فهذا المخلوق العاقل الذي يدعى الإنسان عاش وتسيد على هذه الأرض منذ ظهوره قبل أكثر من مائتي ألف عام، هذا ما يقوله العلم الحديث. لكننا للأسف الشديد نكاد لا نعلم شيئا عما فعله وأنجزه هذا الإنسان خلال تلك الحقب الطويلة المتمادية، إذ تكاد معلوماتنا الوفيرة عنه تنحصر في فترة الخمسة آلاف عام الأخيرة، أي منذ بروز وبزوغ فجر الحضارات الإنسانية الأولى على ضفاف النيل ودجلة والفرات وما رافق ذلك من اختراع الكتابة وبدء التوثيق الكتابي للأحداث والعادات والعقائد السارية في تلك الأزمان الغابرة. أما قبل ذلك، أي قبل اختراع الكتابة، فمعلوماتنا تكاد تنحصر بما تركه القدماء من أدوات حجرية وآوني فخارية وهياكل عظمية مبثوثة هنا وهناك في المغاور والمقابر والكهوف. ولهذا السبب بالذات تعتبر تلك الحقب والعصور التي سبقت التوثيق الكتابي من أشد الفترات غموضا وظلاما في تاريخ البشر، وأكثرها إثارة للجدل.
نوعان مختلفان من البشر
ولا غرو أن إنسان النياندرتال  The Neanderthal يعد واحدا من أكثر ألغاز عصور ما قبل التاريخ غموضا. فمنذ اكتشاف جمجمته الأولى في بلغاريا عام 1829 ، تعددت وتنوعت الآراء والنظريات والفرضيات حوله إلى درجة التناقض والاختلاف، وهو الأمر الذي قاد إلى نشوء خرافات وشيوع أخطاء كثيرة عنه.
ولعل أكثر تلك الأخطاء شيوعا هي الاعتقاد بأن النياندرتال هو من أسلاف البشر الحاليين، وبأن أجدادنا أيام الكهف كانوا من النياندرتال. وهذا لعمري من أكبر الأخطاء وأعظمها. فنحن والنياندرتال نوعان مختلفان من البشر. صحيح بأننا ننتمي إلى جنس واحد يدعى (Homo ) ، أي الإنسان، وصحيح بأننا أبناء عمومة ننحدر جميعا عن جد واحد عاش في زمن ما قبل خمسمائة ألف عام، وبأننا نتشارك 99.5 من جيناتنا، وأن البعض منا لازال يحمل في جيناته قدرا ضئيلا من جينات النياندرتال ... لكن بغض النظر عن جميع تلك القواسم والمشتركات فنحن البشر الحاليين نعد نوعا مختلفا تماما، نعرف بأسم الإنسان الحديث (Homo sapiens ) فيما يعرف هو بإنسان النياندرتال (Homo neanderthalensis ).
أما الخطأ الشائع الآخر فهو الاعتقاد بأن النياندرتال كان نوعا سابقا لظهور الإنسان الحديث وبأنهما لم يعيشا معا في بقعة واحدة ولم يحدث بينهما أي تقارب واختلاط، وهذا غير صحيح أيضا، فالنوعان عاشا جنبا إلى جنب منذ أن وصل الإنسان الحديث إلى القارة الأوربية قبل حوالي 43 ألف عام وحتى انقراض النياندرتال قبل حوالي 25 ألف عام.

النياندرتال لم يكن مسخا ولا قردا

الصورة النمطية للنياندرتال .. وحش كاسر مخيف  ..
الاكتشافات والتقنيات الحديثة ساهمت في تفنيد العديد من التصورات والاستنتاجات السابقة لدى العلماء عن النياندرتال وبدأت ترسم لنا صورة مغايرة تماما عن تلك التي علقت بأذهاننا عنه، فإنسان النياندرتال لم يكن بشعا ومتوحشا وغبيا كما اعتادت البرامج الوثائقية والأفلام السينمائية تقديمه لنا. فقد أثبتت عملية إعادة رسم وتشكيل جمجمته بواسطة الحاسوب بأن ملامحه كانت أقرب إلى ملامح الإنسان الحديث منها إلى القرد، مع بروز بسيط أعلى العين وتراجع قليل في الجبهة والذقن، كما أنه لم يكن مخلوقا كث الشعر كما يحاول البعض تصويره، فالأبحاث الحديثة ترجح بأن كثافة شعره لم تكن تختلف كثيرا عن كثافة الشعر على جسد الإنسان الحديث.
طيب إذا كان الإنسان الحديث والنياندرتال متشابهان إلى هذا الحد .. فأين هو الاختلاف بينهما ولماذا صنفا من قبل العلماء على أنهما نوعان مختلفان ؟.
الفرق بين جمجمة النياندرتال والانسان الحديث
في الحقيقة كانت هناك عدة اختلافات ظاهرة بينهما. فقد أثبتت الاكتشافات الحديثة، خصوصا الهيكل العظمي النادر لطفل النياندرتال الذي عثر عليه داخل كهف دودرية بالقرب من حلب في سوريا، بأن دماغ النياندرتال كان مساويا في الحجم لدماغ الإنسان الحديث عند الولادة، لكن مع تقدم السن كان دماغ النياندرتال يتفوق في حجمه على دماغ الإنسان الحديث. لكن هذا التفوق في الحجم لا يعني بالضرورة بأن النياندرتال كان أذكى من الإنسان الحديث، فالعلماء يقولون بأن طريقة نمو وتطور الدماغ بعد الولادة هي التي تلعب دورا محوريا في تحديد مقدار الذكاء، وطريقة نمو الدماغ بحسب العلماء، كانت تصب لصالح الإنسان الحديث على حساب النياندرتال، لكن هذا الأخير لم يكن مخلوقا غبيا عديم الذكاء، إذ ربما كان ذكاءه مساويا للإنسان الحديث في بعض المجالات، فقد كان بارعا في صنع الأدوات والأسلحة الحجرية والاستفادة من جلود الحيوانات لعمل الثياب، وكان يجيد استخدام النار، وهو فوق ذلك مخلوق  اجتماعي يعيش في مجموعات تماما كالإنسان الحديث، وهناك دلائل أيضا على أنه كان يدفن موتاه، وبأنه كان أول من رسم على جدران الكهوف القديمة، فأقدم رسم بشري، ذلك الموجود على جدار أحد الكهوف في اسبانيا، ربما كان من صنع النياندرتال الذي سكن تلك الأصقاع لآلاف السنين.
النياندرتال كان يعيش في الكهوف 
أما من الناحية البنيوية والجسدية، فالنوعان كانا متقاربان بطول القامة، إلا أن النياندرتال كان أقوى جسديا بكثير من الإنسان الحديث، كانت يداه جبارتان، كأنهما أدغمتا مع صدره العريض إدغاما. وبالمقابل كان الإنسان الحديث يتفوق على النياندرتال من ناحية الرشاقة والسرعة، فالنياندرتال كان يسير بصعوبة وبطء بسبب طبيعة تكوينه العظمي، وربما بدا للناظر كأنه يترنح من جهة إلى أخرى عند المشي، وكان بحاجة إلى طاقة أكبر عند الركض والقفز والمطاردة، وعليه فأن الإنسان الحديث كانت له اليد العليا في أي مواجهة محتملة مع النياندرتال.
كان مميزا بشعره الأحمر وهي سمة نادرة في البشر اليوم ..
النياندرتال كان مميزا بلون شعره أيضا، هذا ما يقوله بعض العلماء الذين عثروا على جينة تدعى (MC1R ) ضمن عينة من الحمض النووي مأخوذة عن عظام النياندرتال، وبحسب الباحثين فأن هذه الجينة تضفي صبغة حمراء مميزة على الشعر، ومن المعروف بأن الشعر الأحمر هو لون نادر لدى الإنسان الحديث، لذا فأن النياندرتال كان مميزا حتما بخصلات شعره الحمراء التي كانت تتطاير وراء كشعلة لهب أثناء مطاردته للحيوانات التي أعتاد صيدها في وديان وسهول أوربا العصر الحجري.
كان يعيش في مجموعات وربما طور لغة خاصة به ..
علاوة على الاختلافات أنفة الذكر فأن العلماء يعتقدون بأن الإنسان الحديث كان متفوقا أيضا من الناحية الاجتماعية، كان يعيش في مجموعات أكبر وأكثر تنظيما من ناحية تقسيم المهام بين الرجال والنساء، كما كان متفوقا من ناحية تطوير اللغة والتواصل مع أبناء جنسه، بالرغم من أن الرأي العلمي الحديث يرى بأن النياندرتال ربما كان هو الأخر قادرا على الكلام والتفاهم اللغوي، ويذهب بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن صناعة وتطوير الأدوات الحجرية وأساليب الصيد الجماعي ما كانت متاحة للنياندرتال لولا وجود نوع من اللغة المتبادلة بين أفراده. وقد عزز هذا الرأي عثور العلماء عام 1983 على العظم اللامي ضمن بقايا عظام النياندرتال، وهذا العظم يكون على شكل حدوه يقع في مقدمة الرقبة أسفل الذقن ووجوده ضروري من أجل النطق والكلام، علاوة على ذلك، عثر العلماء مؤخرا على جين يدعى (FOXP2 ) ضمن عينة من الحمض النووي مأخوذة عن عظام نياندرتال من شمال أسبانيا، هذه الجينة موجودة لدى الإنسان أيضا، ويعتقد العلماء بأنها مسئولة عن اللغة والكلام.
خلاصة القول، بأننا لو كنا نعيش في عصور ما قبل التاريخ المظلمة والباردة، لكنا ميزنا النياندرتال بسهولة كما فعل أجدادنا، وذلك بسبب الاختلافات الواضحة في المظهر العام والسلوك.

لماذا أنقرض النياندرتال ؟

منذ اكتشافه في القرن التاسع عشر ظل العلماء يتساءلون عن سر وسبب انقراض النياندرتال في زمن ما قبل حوالي 24 ألف عام تاركا المجال بالكامل للإنسان الحديث لكي يبسط سيطرته – وشروره - على هذا الكوكب النابض بالحياة. وللإجابة على هذا السؤال وضع العلماء عدة نظريات وفرضيات سنتناولها تباعا وباختصار في الأسطر القليلة القادمة.

نظرية الصراع مع الإنسان الحديث

هل كان أجدادنا وراء أنقراض النياندرتال بسبب طبيعتهم العدوانية ؟ ..
النياندرتال كان متكيفا من الناحية الجسدية للعيش في المناطق الباردة، لهذا أقتصر نطاق وجوده على الرقعة الجغرافية الممتدة من شمال إيران والعراق وبلاد الشام مرورا بآسيا الوسطى وروسيا وأوربا وصولا إلى ساحل البحر المتوسط في أسبانيا حيث كانت الكهوف في منطقة مضيق جبل طارق هي ملاذه الأخير. وقد سكن النياندرتال تلك المساحات الشاسعة وكان سيدا مطلقا عليها لمئات الألوف من السنين حتى نازعه السيادة نوع آخر من البشر ظهر فجأة على مسرح الأحداث وراح ينافسه ويزاحمه في كل شيء. وهذا النوع الثاني لم يكن طبعا سوى الإنسان الحديث الذي عبر أولا من أفريقيا إلى آسيا ثم يمم وجهه صوب أوربا قبل حوالي 43 ألف عام.
وبحسب بعض العلماء، فأن الإنسان الحديث، الذي كان أكثر تنظيما، ويعيش في مجموعات كبيرة، قام باستئصال وطرد النياندرتال تدريجيا ودفع به باتجاه الغرب والجنوب الأوربي حيث ملاذاته الأخيرة. ومما يعزز هذا الرأي لدى العلماء هو سلوك البشر عبر العصور المتسم غالبا بالميل إلى العنف والقسوة والوحشية في التعامل مع المنافسين، أوضح مثال على ذلك هو طريقة تعامل المنتصرين مع الخاسرين في الحروب والنزاعات قديما وحديثا، وكيف تمت إبادة شعوب وقبائل كاملة من السكان الأصليين في أمريكا واستراليا وأفريقيا على مر العصور. هذا فضلا عن إبادة مئات الفصائل والأجناس الحيوانية خلال التاريخ البشري المعبق برائحة الدم والموت.

نظرية التزواج مع الإنسان الحديث

هل تزاوج البشر مع النياندرتال ؟ ..
على العكس من النظرية السابقة، فأن هذه النظرية تزعم بأن النياندرتال أنقرض بسبب اختلاطه وتزاوجه مع الإنسان الحديث، أي أن نسله ضاع واندثر ضمن نسل الإنسان الحديث، وهي حالة معروفة حدثت مرارا عبر العصور، فالمجموعات الصغيرة والمغلوبة على أمرها عادة ما تذوب وتنصهر ضمن المجموعات الأكبر، وقد شهد التاريخ اختفاء العديد من القبائل والأقليات القومية بسبب اختلاطها أو وقوعها تحت سيطرة قوميات أقوى وأكبر.
يحمل سمات النوعان معا ..
وهناك عدة دلائل قوية تؤيد هذه النظرية، ففي عام 1998 عثر العلماء على هيكل عظمي لطفل داخل كهف بالقرب من مدينة لشبونة البرتغالية أطلقوا عليه أسم طفل لاجار فيلو (child of Lagar Velho ) ، وكان لهذا الاكتشاف أهمية عظمى لأن هيكل الطفل العظمي حمل سمات مختلطة بين الإنسان الحديث والنياندرتال، مما يرجح كونه هجينا.
تحليل الحمض النووي يعطينا دليلا آخر على اختلاط النوعين، فمعظم الناس من العرق الأوربي والآسيوي إضافة إلى سكان شمال أفريقيا من ذوي البشرة الفاتحة، يحملون في جيناتهم ما بين 1 – 4 % من جينات النياندرتال، وهي جينات لا يحملها أبناء العرق الأفريقي لأن النياندرتال لم يعش في أفريقيا مطلقا. وهذه النسبة الضئيلة من الجينات تدل على حدوث تزاوج محدود بين الإنسان الحديث والنياندرتال خلال العصور الحجرية القديمة.
الانسان لم يتوانى حتى عن ممارسة الجنس مع الحمير والماعز
علاوة على الدلائل المادية فأن دراسة وتحليل السلوك الجنسي للإنسان الحديث لا تجعل مسألة زواجه بالنياندرتال أمرا مستبعدا أو عجيبا أو غير متوقع، فالذي يمارس الجنس مع حمار ولا يتردد عن تفريغ شهوته في بقرة أو كلب . والذي لا يخجل من أن ينزو بالجماد من الدمى والألعاب الجنسية .. الذي يفعل كل هذه الأمور .. لا يتوانى طبعا عن ممارسة الجنس مع غيره من أنواع الإنسان وأشباه البشر. والعلماء يزعمون بأن الإنسان الحديث تزاوج مع نوعين من الإنسان خلال تاريخه الطويل، الأول هو النياندرتال كما أسلفنا، والثاني هو نوع منقرض من أشباه البشر يدعى دنيسفوا (Denisova hominin ) عثر العلماء على عظمة أصبع يده داخل أحد الكهوف الروسية عام 2008. ولأنهم لم يعثروا سوى على أصبع يتيم فقد ظل شكل ذلك المخلوق لغزا يكتنفه الغموض، لكن تحليل الحمض النووي أظهر بأن جميع البشر من العرق الميلانيزي (سكان الجزر في المحيط الهادي) يشتركون في حوالي 6% من جيناتهم مع هذا الإنسان المنقرض الذي عاش على هذه الأرض في زمن ما قبل أكثر من 40 ألف عام.

نظرية التغير المناخي

كان يعتاش على صيد الحيوانات التي انخفضت اعدادها في العصر الجليدي
بحسب هذه النظرية فأن تبدل المناخ خلال العصر الجليدي الأخير قبل أكثر من خمسين ألف عام لعب دورا كبيرا في انقراض النياندرتال، فخلال تلك الحقبة القاسية تحولت أجزاء واسعة من أوربا إلى صحارى قطبية، وأدى ذلك بالتالي إلى انحسار الغابات والمساحات الخضراء التي كانت تشكل مراعي للحيوانات التي أعتاد النياندرتال صيدها، ومع تناقص أعداد تلك الحيوانات واختفاءها، راح النياندرتال يقاسي الجوع إلى درجة أنه صار يأكل لحوم أبناء جنسه، وصار الموت يلاحقه كظله على طول البقعة الممتدة بين جبال القوقاز وصولا إلى بحر المانش، مما أجبر الجماعات القليلة الناجية على التراجع بالتدريج نحو السواحل الأكثر دفئا في جنوب أوربا، خصوصا في شبه الجزيرة الأيبيرية، أي أسبانيا والبرتغال، والتي تعرف بالملاذ الأخير للنياندرتال.
التغير المناخي لم يقتصر على هجوم البرد والصقيع، بل زاد الطين بله ثوران العديد من البراكين الأوربية خلال نفس الفترة، وهذه الانفجارات البركانية بغيومها السوداء وغبارها البركاني أدت إلى القضاء على معظم أشكال الحياة في نطاق وجود إنسان النياندرتال. وهكذا فأن تحالف المناخ السيئ مع الثورات البركانية أدى إلى إضعاف وجود النياندرتال واستنزاف أعداده بشدة، وبالتالي لم يواجه الإنسان الحديث أية منافسة أو مقاومة من قبل النياندرتال المنهك حين وطئت أقدامه أديم القارة الأوربية لأول مرة في زمن ما قبل أكثر من أربعين ألف عام.

نظرية الأمراض والأوبئة

هل اصيب بوباء قاتل قاده الى حافة الانقراض ؟ ..
كما أشرنا سابقا فأن النياندرتال والإنسان الحديث متشابهان بدرجة كبيرة، وعليه فأن النياندرتال، شأنه شأن الإنسان الحديث، كان عرضة للإصابة بالعلل والأمراض والأوبئة القاتلة. ويرى بعض العلماء أن افتقاره للمناعة الطبيعية ضد أنواع معينة من الجراثيم والفيروسات التي حملها الإنسان الحديث معه إلى أوروبا جعلته صيدا سهلا للعديد من الأوبئة الفتاكة التي أضعفت وجوده وأدت إلى انقراضه في النهاية. الأمر شبيه بما حدث في الأمريكيتين بعد اكتشافهما من قبل الأوربيين، فالسفن الأوربية لم تحمل معها المستعمرين والغزاة فقط، بل حملت معها أيضا فيروسات وجراثيم قاتلة كان الإنسان الأوربي قد طور مناعة ضدها من خلال تعرضه لها لآلاف السنين، بينما لم يكن سكان أمريكا الأصليين يملكون أية مناعة طبيعية ضد هذه الفيروسات والجراثيم لأنهم لم يعرفوها ولم يجربوها قبلا، وهكذا وقعوا فريسة سهلة للعديد من أمراض العالم القديم، خصوصا الجدري، الذي حصدا لوحده ملايين الأرواح خلال سنوات قليلة فقط، أما البقية الباقية والقلة الناجية، فقد اختلط معظمهم بالمستعمرين الجدد وبمرور الزمان ذابوا وانصهروا في بوتقة المجتمعات الجديدة التي أنشأها المستوطنين الأوربيين ثم تلاشوا واندثروا إلى الأبد.

نظرية أكل لحوم البشر


العديد من العلماء بدءوا يميلون في الآونة الأخيرة إلى الاعتقاد بأن النياندرتال كان من أكلة لحوم البشر، وبأنه كان مولعا بأكل لحوم أبناء جنسه كولعه بصيد الحيوانات الوحشية، فالبقايا العظمية المتحجرة التي استخرجت من بعض كهوف كرواتيا وايطاليا وفرنسا واسبانيا كانت تحمل آثارا واضحة لتعرضها للتقطيع والتمزيق بعد الموت مباشرة، ربما من أجل التهامها. وأقوى الأدلة على وجود هذه الممارسة الوحشية أتت من كهف إليسدرون (El Sidron ) في شمال أسبانيا، فهناك عثر العلماء على كمية كبيرة من العظام التي يرجح بأنها تعود لعشيرة نياندرتال صغيرة عاشت في ذلك الكهف قبل حوالي 43 ألف عام وكانت تتكون من ثلاث نساء وثلاث رجال وثلاث مراهقين وطفلين ورضيع واحد. وقد حملت عظامهم ندوبا وكسورا وعلامات تشير إلى احتمال تعرض أصحابها للقتل والتقطيع والالتهام من قبل مجموعة نياندرتال أخرى. حيث جرى نزع اللحم عن العظام بواسطة سكاكين وفؤوس حجرية، وحطمت الجمجمة من أجل استخراج الدماغ، وكسرت العظام الكبيرة من اجل استخراج نخاع العظم .. وهذه جميعها أمور تدل على أن من فعل ذلك بتلك الأجساد كان على الأغلب ينوي التهامها.

ويميل العلماء إلى الاعتقاد بأن النياندرتال، والإنسان الحديث أيضا، مارسا أكل لحم البشر مرارا وتكرارا خلال تاريخهما الطويل الذي يمتد لعشرات الألوف من السنين، حيث كانا يلتهمان أبناء جنسهما ويلتهم كل منهما الآخر أيضا، وكانت وتيرة هذه الممارسة تزداد في فترات الكوارث والمجاعات التي يندر فيها الحصول على الطعام، كما أرتبط أكل لحم البشر بطقوس وعقائد خرافية كتلك التي كانت منتشرة بين القبائل البدائية في بابوا غينيا الجديدة حيث كان يجري التهام البشر بشكل روتيني حتى منتصف القرن الماضي.
صورة ارشيفية حقيقية من القرن الماضي لبقايا جثة رجل جرى التهامه في بابوا غينيا الجديدة ..
ممارسة أكل لحوم البشر هي لا ريب ممارسة وحشية مرعبة، لكن الأسوأ من ذلك، والأمر الذي قد لا يعلمه أغلب القراء، هو أن لها آثار جانبية خطيرة على الصحة العامة، وقد تنبه الأطباء إلى هذا الأمر خلال دراستهم واستقصائهم أسباب مرض غريب ألم بأفراد قبيلة فور البدائية في بابوا غينيا الجديدة في القرن الماضي. فهذه القبيلة درجت على التهام جثث موتاها، كان تأبين الميت والحزن عليه يتضمن تقطيعه والتهامه من قبل أهله وأصدقائه من أجل المحافظة على "قوة الحياة" الموجودة داخل جسده وحفظها من الضياع، حيث ظن الفور بأن التهامهم لجسد الميت يعني تقاسمهم لقوته وطاقته. ولهذا السبب بالذات كان الرجال يهتمون بأكل قلب الميت وأجزاء بدنه الأكثر ارتباطا بالقوة والصلابة، أما باقي الجثة فكانت تترك للنساء والأطفال، وهؤلاء كانوا مولعون بأكل الأجزاء الدسمة، خصوصا الدماغ، فكانوا يحطمون الجمجمة ويستخرجونه ليأكلوه نيئا من رأس الميت مباشرة. وقد تسبب هذه الممارسة الغريبة بإصابة العديد من أفراد القبيلة ، خصوصا النساء، بمرض نادر يدعى كورو (Kuru ) ، وهو مرض قاتل شبيه بمرض جنون البقر، ينتقل بالعدوى ويؤدي إلى نخر الدماغ محولا إياه إلى ما يشبه الاسفنجة، ويسمى أيضا بمرض الضحك، لأنه المصابين به يفقدون السيطرة على أجسادهم تدريجيا مما يجعلهم يقومون بحركات لا إرادية مثيرة للضحك، وعادة ما يفارق المصاب الحياة خلال أقل من سنة، ولا يوجد حتى اليوم عقار ناجع لعلاج المرض الذي تناقصت حالات الإصابة به بعد توقف أفراد القبيلة عن التهام لحوم البشر في العقود الأخيرة.
وبالعودة إلى النياندرتال، فهناك فريق من العلماء يعتقدون بأن أكل لحم البشر تسبب بإصابة النياندرتال بأمراض وأوبئة خطيرة مشابهة لتلك التي أصابت أفراد قبيلة فور في بابوا غينيا الجديدة مما قاده إلى الانقراض في النهاية.

أخيرا ..

يبقى لغز النياندرتال قائما ..
فأن كل قلناه حول النياندرتال يبقى في حيز الفرضية والاحتمال، فالعلماء لا يملكون من المعلومات حول هذا المخلوق المنقرض سوى ما تقدمه عظامه وأحجار الصوان التي أستعملها في مطاردة الحيوانات والأعداء، ولهذا السبب بالذات، أي لقلة المعلومات وشحتها، يبقى موضوع النياندرتال من المواضيع الشائكة والمثيرة للجدل خصوصا بين أنصار نظرية التطور (1) وأنصار الأصل السماوي (2) للحياة على هذه الأرض، وهو جدل قديم متجدد نحن في غنى عن التطرق أليه لأننا بصراحة غير مؤهلين لا علميا ولا دينيا للخوض فيها. لكن خلاصة ما يمكن أن نقوله في ختام هذا المقال هو أن النياندرتال لم يكن قردا ولا وحشا .. ولا كان من أسلاف البشر الحاليين .. ربما كان من الكائنات التي أبدعها الخالق قبل ظهور البشر على هذه الأرض .. إذ لا يوجد ما يمنع فرضية أن الأرض كانت مسكونة بمخلوقات وكائنات أخرى قبل ظهور البشر.
هوامش :
1 – نظرية التطور لتشارلز دارون (Theory of evolution) : نظرية التطور - باختصار وتبسيط شديد - تزعم بأن أصل جميع الكائنات والمخلوقات الموجودة على كوكبنا يرجع إلى سلف واحد مشترك ظهر على هذه الأرض قبل أكثر من ثلاثة مليارات عام عن طريق تفاعلات كيميائية حدثت في بيئة مثالية وتحولت إلى شكل من أشكال الحياة البسيطة ثم تطورت تدريجيا وانحدرت منها جميع الأنواع عن طريق عملية الاصطفاء الطبيعي التي يمكن تلخيصها بعبارة "البقاء للأقوى والأصلح"، أي أن الصفات والسمات الجيدة هي التي تبقى وتتأصل وقد تتطور في النهاية إلى أنواع جديدة. ولتبسيط الأمر أكثر فأن ما قامت به الطبيعة عبر ملايين السنين هو أشبه بما يقوم به الإنسان حاليا في المختبرات ومعامل البحوث من عملية اصطفاء صناعي، حيث يتم التلاعب بجينات النباتات لتطوير السمات الجيدة والقضاء على السمات السيئة للحصول في النهاية على نباتات مطورة جينيا تحمل الصفات والسمات المرغوبة والمطلوبة فقط، أو كما في قيام المزارعين بتوليد وتهجين سلالات مختلفة من الحيوانات الأليفة للحصول على سلالات جديدة تحمل صفات وسمات محسنة.
لكن كيف لنا أن نصدق بأن السحلية تحولت إلى طائر بحسب نظرية التطور ؟! ..
الجواب يكمن في الطفرات .. وهي تغييرات جينية تتم غربلتها وتصفيتها عن طريق الاصطفاء الطبيعي حيث يتم إبعاد الطفرات الضارة في حين تتراكم الطفرات المحايدة حتى تصبح شائعة، وهذه الطفرات لا تحدث خلال ليلة وضحاها، بل قد تتطلب آلاف وملايين السنين لحدوثها ولذلك تصعب ملاحظتها ومراقبتها.
لكن أين هي الأدلة على حدوث هذه الطفرات ؟ .. أين هو المخلوق الذي يظهر لنا بجلاء حدوث طفرة بين السحلية والطائر؟ ..
الطفرات تحدث على الدوام، وأغلبها ضارة، مثل التشوهات الولادية، التخلف العقلي، الصلع، حساسية اللاكتوز، السرطانات .. الخ .. العلماء يقولون بأن مثل هذه الطفرات حولت السحلية إلى طائر من خلال عملية طويلة استمرت لملايين السنين .. أما أين هو الدليل الأحفوري الذي يثبت حدوث هذه الطفرات .. أي أين هو المخلوق الذي يحمل سمات السحلية والطائر معا، فهذا هو ما يسمى بالحلقة المفقودة في نظرية التطور.
2 - نظرية الأصل السماوي : أنصار هذه النظرية ينقسمون فريقين، احدهما – الأغلبية - يؤمن بأن جميع الأنواع والأجناس على الأرض هي صنع الله خلقت بأحسن صورة وتقويم منذ البداية ولم تتطور تدريجيا، وهناك فريق آخر يزعم بأن الحياة أتت إلى هذه الأرض من كوكب أو جرم سماوي آخر، ربما حطت بواسطة صحن طائر، أو حملها نيزك أو مذنب ما إلى الأرض.

المصادر:
..................

1- Neanderthal From Wikipedia the free encyclopedia
2- Not guilty! We did not kill the Neanderthals... ice age wiped them out, say scientists
3- Study casts doubt on human-Neanderthal interbreeding theory
4- Neanderthal extinction hypotheses
5- Did climate change kill off Neanderthals?
6- DNA reveals Neanderthal extinction clues
7- Cannibalism May Have Wiped Out Neanderthals
8- How Neanderthals Fought Disease
9- Some Neanderthals Were Redheads
10- Cave Speak: Did Neandertals Talk?
11- Neanderthals Were Too Smart to Survive
12- Neanderthals Were Cannibals, Study Confirms
13- How Neanderthals met a grisly fate: devoured by humans
14- Brains of Neanderthals and Modern Humans Developed Differently
15- Neanderthals More Intelligent Than Thought
16- The brains of human and Neanderthal babies were almost identical
17- Cannibalism & the shaking death: A new form of the disease & a possible epidemic
18- Neanderthal Sex: Modern Humans Ended Interbreeding After Migrating From Africa, Study Suggests
19- Kuru (disease) From Wikipedia, the free encyclopedia

مدينة بومبى . . كيف تحول ساكنيها الى تمثيل بشرية

في الكتب السماوية , هناك قصص عن مدن كاملة اختفت عن وجه الأرض بعد ان حلت عليها اللعنة الإلهية فأصبحت أطلالا لشوارع و أسواق كانت تعج بالحياة و النشاط ثم توقف الزمن عندها فجأة , و مدينة بومبي هي إحدى تلك المدن التي تطل لتلقم حجرا أفواه العديد من الباحثين و العلماء الذين يعتبرون قصص الكتب السماوية مجرد أساطير و خرافات , إليك عزيزي القارئ  , القصة الحقيقية لما جرى في ذلك اليوم الأخير و المشئوم من حياة مدينة بومبي الايطالية.pompii

تحول بعض سكانها الى تماثيل حجرية


بعض من ثار بومبى

بومبي (Pompeii ) هي مدينة قديمة تقع في جنوب ايطاليا بالقرب من مدينة نابولي الحالية , و قد بنيت على سفح بركان فيزوف الشهير , و هو احد البراكين القليلة في القارة الأوربية التي لازالت تتمتع بنشاط بركاني. و قد كانت بومبي مدينة مزدهرة ما بين القرن السابع قبل الميلاد و حتى عام 79 للميلاد و هو تاريخ اختفائها الذي دام لـ 1700 عام. و ربما تكون المئتي سنة الأخيرة من عمرها تمثل أوج الازدهار و النشاط و الرقي الذي بلغته في جميع مناحي الحياة , فما وصل الى أيدي علماء التاريخ يثير الحيرة و التساؤل حول الحياة في العصور القديمة و التي توصف غالبا بالتخلف و الانحطاط , فمدينة بومبي كانت تتمتع بنظام متناغم من التصميم المعماري كما كانت تتمتع بنظام رائع و متطور للري و توزيع المياه و الصرف الصحي و كانت تزخر بالمنتديات العامة و الثقافية و برك السباحة و الحمامات و المراكز الرياضية و المعابد و الأبنية الحكومية الفارهة و تزدان جدرانها بأجمل الرسوم الفسيفسائية التي أبدعتها انامل الفنانون القدماء و التي تصور جمال و أناقة سكان المدينة و سحر الحياة التي كانوا يتمتعون بها. و كما كان بركان فيزوف هو سبب دمار المدينة فأنه كان و لقرون عدة سبب ازدهارها و غناها , فتربة الحقول المحيطة بالمدينة كانت أغنى تربة زراعية في اوربا بسبب طبيعتها البركانية حيث يذكر المؤرخون ان سكان بومبي كانوا يزرعون و يحصدون محاصيلهم الزراعية ثلاث مرات في السنة , كما كانت المدينة منتجعا للأغنياء و عوائلهم و هذه السياحة كانت تدر الأرباح الطائلة على سكان المدينة.

زلزال عام 62 المدمر .. الكارثة الاولى

في الخامس من شباط / فبراير عام 62 للميلاد و بينما كان السكان يحتفلون بأحد أعيادهم الدينية , فجأة أصم آذانهم صوت مهيب لم يعلم احد مصدره ثم أخذت الأرض تهتز بعنف و راح الناس يتدافعون بهلع للهرب من المعابد و البيوت التي أخذت تتهاوى واحدا بعد الأخر و بدأت النيران تلتهم أجزاء كبيرة من المدينة نتيجة لتحطم المصابيح الزيتية المعلقة في البيوت , الهزة الأولى استمرت للحظات و لكن تبعتها بعد ساعة من الزمن عدة هزات استمرت بصورة متقطعة حتى حلول المساء , و في الليل كانت اغلب المباني قد تهدمت و تحولت الى ركام و اخذ اللصوص و المجرمون يجوبون المدينة ليسرقوا و يغتصبوا و يعيثوا في الأرض فسادا , و مات الكثيرون من الأهالي و هم يحاولون الفرار من المدينة حيث ابتلعتهم الشقوق العظيمة و السحيقة التي أحدثتها الهزة الأرضية , و رغم حجم المأساة و هول المصيبة التي حلت على المدينة , الا ان الكثيرون من سكانها صمموا على الاستمرار في حياتهم و بدءوا بحملة لأعمار مدينتهم و بمرور الزمن عاد الكثيرون ممن كانوا قد هجروا بومبي اليها ليصلحوا بيوتهم و يبدءوا حياة جديدة , و ربما كان للازدهار الاقتصادي الكبير الذي كانت تتمتع به المنطقة الأثر الأكبر في عودة الناس اليها.
ما بين عامي 62-79 ميلادية , أي لسبعة عشر عاما , انشغل سكان بومبي بإصلاح الخراب الذي حل بالمدينة نتيجة الزلزال , فتم تشييد المباني الفاخرة و إعادة تزينها بالرسوم الجميلة و أصلاح نظام توزيع المياه داخل المدينة , و قد كان أهالي المدينة يعملون بهمة و عزم لكي تعود بومبي الى سابق عهدها و لكن لم يكن يدر في خلد أي منهم حجم الكارثة و المصير الأسود الذي يخبئه لهم المستقبل القريب.
                            تراها انتظرت ام خافت ام استسلمت

ما الذى حدث وكيف انهار كل شئ ؟

في الـ 20 من آب / أغسطس عام 79 ميلادية , حدثت بعض الشقوق في الأرض و تحولت مياه الخليج الهادئة الى أمواج عملاقة غاضبة , الحيوانات و الطيور أصبحت مضطربة و يصعب السيطرة عليها , و رغم جميع هذه العلامات و الإشارات الا ان سكان المدينة استمروا في حياتهم العادية و في اليوم السابق لثورة البركان كان هناك احتفال صاخب و مهيب في بومبي مكرس للآله (Vulcanalia ) و هو آله النار و البراكين عند الرومان و انشغل السكان بالسكر و العربدة حتى ساعة متأخرة من الليل حيث عادوا الى بيوتهم ليخلدوا الى النوم.
 مجموعة  لأجسام بشرية متحجرة -  لم يكونوا نائمين - لكنهم ربما التجأوا للأرض كحماية
و في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي 24 آب / أغسطس بدأ بركان فيزوف يطلق حممه الغاضبة الى السماء التي تلبدت بالدخان الأسود لتحيل النهار ليلا و بدء الرماد الأسود يهطل على المدينة ليغطي سقوف منازلها و طرقاتها الحجرية , هناك العديد من السكان ممن قرروا الهرب و ترك المدينة منذ الساعات الأولى لثورة البركان و قد يكون بعضهم قد نجا و لكن هناك اخرون قرروا البقاء و اعتقدوا ان من سيحميهم من الموت و من حمم البركان هو سقوف بيوتهم الحجرية. استمر الرماد الأسود بالهطول على المدينة ليصل الى علو 3 أمتار و قرابة الساعة الثانية عشر ليلا حدث الانفجار الفعلي للبركان و بدء فيزوف يقذف الحمم النارية الى مسافات بعيدة مصحوبة بالغازات البركانية السامة و القاتلة و أخذت المزيج الناري الأحمر للأحجار المنصهرة يتقدم ببطء نحو المدينة و هو ما كان إيذانا بموت جميع السكان , فحتى هؤلاء الذين لم يدفنوا أحياء تحت الرماد البركاني , فأنهم ماتوا تحت سقوف منازلهم التي دمرتها الصخور الضخمة التي قذفها البركان او هلكوا خنقا بسبب الغازات البركانية السامة التي تسير بسرعة 100 كلم / ساعة.
من المستحيل على الباحثين اليوم , تقدير عدد الذين قتلوا نتيجة ثورة بركان فيزوف , فبالإضافة الى بومبي , هناك ثلاث مدن رومانية اخرى كانت تقع على سفح البركان و قد اختفت كليا او جزئيا , ربما تكون أشهرها مدينة هيركولانيوم , و قد لا تمثل العينات المتحجرة الموجودة اليوم لضحايا البركان الا نسبة ضئيلة جدا من العدد الفعلي للقتلى ممن ماتوا اثناء محاولتهم الهرب في الحقول او ابتلعتهم أمواج البحر الهائج.
                                  فأر كان ضمن الأحياء
لـقرابة 1700 عام اختفت بومبي و لم يبق لها أي ذكر , سوى إشارات متفرقة في كتب المؤرخين القدماء , ربما تكون أكثرها دقة و تفصيل , هو ما ذكره المؤرخ الروماني الشهير بليني الصغير و الذي كان شاهدا عينيا لانفجار بركان فيزوف عام 79 للميلاد , و رغم محاولات الكثيرين , خصوصا الباحثين عن الكنوز , لقرون عديدة الوصول الى بومبي المدفونة تحت 30 قدما من الرماد البركاني الا ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل حتى ان البعض بدء يشك في وجود المدينة أصلا و يظن انها مجرد أسطورة قديمة.
و لن يتم استكشاف مدينة بومبي ثانية حتى عام 1748 و منذ ذلك الحين أصبحت قبلة للسياح و الزائرين بسبب الطبيعة المتفردة التي تمتاز بها بومبي عن بقية المدن التاريخية , فما تشاهده في بومبي هو الزمن الذي توقف عام 79 للميلاد , فكل المباني و الشوارع تعود الى ذلك التاريخ و لم يجري لها أي إضافة او تعديل منذ ذلك اليوم , و في عام 2007 وحدها استقبلت آثار المدينة 2,571,725 سائح من مختلف أنحاء العالم.
في الختام و للأمانة ينبغي ان نذكر شيئا عن المدينة يعتبره أنصار نظرية العقاب الالهي دليلا على ان الكارثة التي حلت بالمدينة هي عقاب من الله , فعندما اكتشفت المدينة و أخرجت اغلب مبانيها من تحت الرماد , ذهل العلماء و الباحثين لما رأوه مرسوما على جدران بعض الأبنية , لقد كان هناك عدد كبير من الصور الإباحية التي تصور العلاقة الجنسية بين الرجل و المرأة بشكل علني حتى ان من يراها يظن لوهلة انه ينظر الى صور من مجلة إباحية حديثة. شخصيا أتحرج من نشر هذه الصورو لكنها منتشرة على الانترنت لمن يريد البحث عنها , علما ان علماء التاريخ حاليا يقولون ان المباني المزينة بهذه الصور كانت بيوت دعارة و ان من يعمل بها كانوا من العبيد و اغلبهم من اليونان
ربما يكون البركان طهرها، لكن الحقيقة القائمة تحكي ان البركان قد جمد التاريخ عند لحظة الانفجار، تجمد البشر كل على صورته، على حركته، بصراخه، بذهوله، بألمه، بعاطفته، بل وربما بالتشبث في الحياة، التشبث بالأحباب.فهذه هى حكاية مدينة بومبى .

المصادر 
 -------------
1 - موسوعة ويكيبديا الحرة
2 - جريدة المشهد